للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّسُولُ وَلَا يَكُونُ تَبْلِيغُ رِسَالَةِ اللَّهِ إلَّا كَذَلِكَ وَأَنَّ تَبْلِيغَهُ إلَى الْعَجَمِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى تَرْجَمَةٍ لَهُمْ فَيُتَرْجِمُ لَهُمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَالتَّرْجَمَةُ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ أَمْثَالٍ لِتَصْوِيرِ الْمَعَانِي فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّرْجَمَةِ.

وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَكْثَرُ الْمُنْتَسِبِينَ مِنْهُمْ إلَى الْعِلْمِ لَا يَقُومُونَ بِتَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَبَيَانِهِ؛ فَلِأَنْ يَعْجِزَ غَيْرُهُمْ عَنْ تَرْجَمَةِ مَا عِنْدَهُ وَبَيَانِهِ أَوْلَى بِذَلِكَ. لِأَنَّ عَقْلَ الْمُسْلِمِينَ أَكْمَلُ وَكِتَابَهُمْ أَقْوَمُ قِيلًا وَأَحْسَنُ حَدِيثًا وَلُغَتَهُمْ أَوْسَعُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَعَانِي غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ؛ بَلْ فِيهَا بَاطِلٌ كَثِيرٌ. فَإِنَّ تَرْجَمَةَ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ وَتَصْوِيرَهَا صَعْبٌ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نَظِيرٌ مِنْ الْحَقِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَإِذَا سُئِلْنَا عَنْ كَلَامٍ يَقُولُونَهُ: هَلْ هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ؟ وَمِنْ أَيْنَ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ فِيهِ وَالْبَاطِلُ. قُلْنَا: - مِنْ الْقَوْلِ - بِالْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ؛ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسَائِلَ أَوْ يُنَاظِرُونَهُ وَكَمَا كَانَتْ الْأُمَمُ تُجَادِلُ رُسُلَهَا. إذْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَدَّعِي مُوَافَقَةَ الشَّرِيعَةِ لِلْفَلْسَفَةِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا ذَكَرُوا " الْعُقُولَ الْعَشْرَةَ " " وَالنُّفُوسَ التِّسْعَةَ " وَقَالُوا: إنَّ الْعَقْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّادِرُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوَاجِبِ بِذَاتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ وَمَعْلُولٌ لَهُ وَكَذَلِكَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّ لِكُلِّ فَلَكٍ عَقْلًا وَنَفْسًا.