للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَجَلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا جَعَلَهُ مُحَارَبًا يَسْتَبِيحُ دَمَهُ وَمَالَهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ فَتَحَهَا صُلْحًا لَمْ يَجُزْ نَقْضُ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ اسْتَبَاحَ قَتْلَ جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ. . . (١) وَلَكِنْ فَتَحَهَا عَنْوَةً وَأَمَّنَ مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ مِنْهُمْ فَقَدْ أَمَّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ؛ إلَّا نَفَرًا اسْتَثْنَاهُمْ وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ بِهَذَا الْأَمَانِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ فَانْعَقَدَ لَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ فَحَارَبَ أَوْ هَرَبَ. وَالْأَمَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُؤَمَّنِ كَالْهُدْنَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتْرُكْ الْقِتَالَ فَلَمْ يُؤَمِّنْهُ بِحَالِ؛ لَكِنْ خَصَّ وَعَمَّ فِي أَلْفَاظِ الْأَمَانِ. وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: {مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ: وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ} كُلُّهَا أَلْفَاظٌ مَعْنَاهَا مَنْ اسْتَسْلَمَ فَلَمْ يُقَاتِلْ فَهُوَ آمِنٌ وَلِهَذَا سَمَّاهُمْ الطُّلَقَاءَ كَأَنَّهُ أَسَرَهُمْ ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ كُلَّهُمْ. . . (٢)

وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَمَّا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَلَمْ يُقَسِّمْهَا بَلْ أَقَرَّهَا فِي يَدِ أَهْلِهَا صَارَ هَذَا أَصْلًا فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهَا فِي يَدِ أَهْلِهَا. قَالُوا هُمْ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي أَحَدِ التَّعْلِيلَيْنِ: وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا؛ لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تُقَسَّمْ كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَرُبَّمَا يَقُولُونَ: صَارَ إنْزَالُ أَهْلِ مَكَّةَ لِلنَّاسِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ


(١، ٢) بياض بالأصل مقدار سطر
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٢٣):
وهنا أمران:
الأول: أن وضع الجامع رحمه الله لكلمة [فقد أمنه] بين معقوفتين يدل على أنها من زيادته، والصواب حذفها، فإن الكلام مستقيم بدونها، مضطرب معها، والله أعلم.
والثاني: أنه قد وضع هنا سقط في موضعين، بمقدار سطر في كل موضع - كما أشار إليه الجامع رحمه الله -؛ وهو في معرض الاستدلال على أن مكة فتحت عنوة، والسقط وقع في وجه الدلالة من دليلين:
أحدهما: استباحة قتل جماعة عام الفتح.
والثاني: تأمين من استسلم فلم يقاتل.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذين الدليلين في (زاد المعاد) ٣/ ١٠٨ - ١١٠، ووجه الدلالة منهما، وهذا نص - في هذين -، ومنه يفهم معنى السقط الحاصل:
١ - (وَأَيْضًا فَإِنّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَقِيسِ بْنِ صُبَابَةَ، وَابْنِ خَطَلٍ، وَجَارِيَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ فُتِحَتْ صُلْحًا، لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَكَانَ ذِكْرُ هَؤُلَاءِ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِ الصّلْحِ وَأَيْضًا فَفِي " السّنَنِ " بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكّةَ، قَالَ أَمّنُوا النّاسَ إلّا امْرَأَتَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ نَفَرٍ. اُقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ").
٢ - (أَنّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَالَحَ أَهْلَهَا زَمَنَ الْفَتْحِ وَلَا جَاءَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَالَحَهُ عَلَى الْبَلَدِ، وَإِنّمَا جَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ لِمَنْ دَخَلَ دَارَهُ، أَوْ أَغْلَقَ بَابَهُ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ فُتِحَتْ صُلْحًا، لَمْ يَقُلْ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ أَوْ أَغْلَقَ بَابَهُ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَإِنّ الصّلْحَ يَقْتَضِي الْأَمَانَ الْعَامّ).