للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَلْ هُوَ يَتَعَرَّضُ لِلْآفَاتِ شَرْعًا وَكَوْنًا فَكَانَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ جِنْسِ بَيْعِ الْغَرَرِ؛ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ الْحَدِيثَ مُتَنَاوِلًا لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَيَجْعَلُ التَّسْلِيمَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِالْعَيْنِ وَيُفَسِّرُهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ لَمْ يَمْلِكْهَا وَيَجْعَلُ مَعْنَى " مَا لَيْسَ عِنْدَك ": مَا لَيْسَ فِي مِلْكِك. وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمِلْكِ وَالْيَدِ جَمِيعًا أَوْ يَشْتَرِطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا مَقْبُوضًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ: كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْفَرَسِ الشَّارِدِ. وَهَذَا حُجَّةُ مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ. قَالَ: لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَيْسَ بِمَقْبُوضِ. وَمَنْ جَوَّزَهُ قَالَ: بَيْعُهُ كَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ وَكَبَيْعِ الْمُودَعِ وَالْمُعَارِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الثِّمَارِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَمَرَةً بَادِيَةَ الصَّلَاحِ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقَبْضَ إلَى كَمَالِ الْجُذَاذِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جُذَاذِهَا وَلَكِنْ جَازَ تَمَكُّنُهُ مِنْهَا إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا: بِجَعْلِ التَّصَرُّفِ. وَقَبْضِهَا التَّخْلِيَةَ وَجَعَلَ فِي الضَّمَانِ قَبْضَهَا التَّمَكُّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ. وَلِغُمُوضِ مَأْخَذِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَثُرَ تَنَازُعُ الْفُقَهَاءِ فِيهَا وَلَمْ يَطَّرِدْ إلَى التَّوَهُّمِ فِيهَا قِيَاسٌ كَمَا تَرَاهُ.