للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ مُسْتَحَبًّا فِي الشَّرِيعَةِ - كَانَ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ عِبَادَةً وَالرَّغْبَةُ فِيهِ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ وَمَحَبَّتُهُ وَعَمَلُهُ مَشْرُوعًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَلَا يَتَّخِذُهُ دِينًا وَلَا يُرَغِّبُ فِيهِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ عِبَادَةً. وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُبَاحِ الَّذِي يُفْعَلُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَبَيْنَ مَا يُتَّخَذُ دِينًا وَعِبَادَةً وَطَاعَةً وَقُرْبَةً وَاعْتِقَادًا وَرَغْبَةً وَعَمَلًا. فَمَنْ جَعَلَ مَا لَيْسَ مَشْرُوعًا وَلَا هُوَ دِينًا وَلَا طَاعَةً وَلَا قُرْبَةً جَعَلَهُ دِينًا وَطَاعَةً وَقُرْبَةً: كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. لَكِنْ قَدْ يَتَنَازَعُ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ: هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ؟ أَمْ لَا؟ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ الْعَمَلِيَّةِ حَتَّى قَدْ يَرَى أَحَدُهُمْ وَاجِبًا مَا يَرَاهُ الْآخَرُ حَرَامًا؛ كَمَا يَرَى بَعْضُهُمْ وُجُوبَ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ؛ وَيَرَى آخَرُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ؛ وَيَرَى أَحَدُهُمْ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّكْرَانِ وَامْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقَهَا فِي سُكْرِهِ وَيَرَى الْآخَرُ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ وَكَمَا يَرَى أَحَدُهُمْ وُجُوبَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَأْمُومِ وَيَرَى الْآخَرُ كَرَاهَةَ قِرَاءَتِهِ: إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا إذَا سَمِعَ جَهْرَ الْإِمَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ. كَمَا أَنَّ اعْتِقَادَهَا وَعَمَلَهَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ فَبَذْلُ الْمَالِ عَلَيْهَا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ أَيْضًا وَهُوَ الِاجْتِهَادِيَّةُ.