للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَحْتَاجُونَ أَنْ يَبْنُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّذْرِ؛ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ؛ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِلشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ} " فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ بِذَلِكَ لَمْ نُسَلِّمْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَمَا أَنَّهُ خِلَافُ نُصُوصِ أَحْمَد وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ فَهُوَ خِلَافُ سَائِرِ أُصُولِهِ؛ فَإِنَّ جَوَازَ الْإِبْدَالِ عِنْدَ أَحْمَد لَا يَفْتَقِرُ إلَى كَوْنِ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ؛ بَلْ وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي جَوَازِ الْإِبْدَالِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ فَعَيَّنَهُ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ بِلَا رَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ بَلْ وَيَقُولُ: خَرَجَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ مِلْكِهِ؛ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا بِخَيْرِ مِنْهَا؛ كَمَا نَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَمَا نَقُولُ بِجَوَازِ الْإِبْدَالِ فِي الْمَنْذُورَاتِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَذَبْحُ الْأَفْضَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ هَذَا كَإِبْدَالِ الْمَنْذُورِ بِخَيْرِ مِنْهُ وَذَلِكَ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ؛ بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ فَإِنَّ مُسْتَحَقَّهُ هُوَ الْعَبْدُ فَبَطَلَ حَقُّهُ بِالْإِبْدَالِ. وَالنِّزَاعُ فِي كَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ثَابِتَةً عَلَى مِلْكِهِ أَوْ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ يُشْبِهُ النِّزَاعَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ. وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَالْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِلَّهِ. وَقَدْ يُقَالُ: لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُتَصَرِّفِ فِيهِ بِالتَّحْوِيلِ هُمْ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ؛ لَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ