للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْمُعَاطَاةِ فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إجَارَةً فَهُوَ كَذَلِكَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ؛ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ. وَحَيْثُ كَانَ ذَلِكَ بِالصِّيغَةِ فَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ صِيغَةً مَحْدُودَةً فِي الشَّرْعِ؛ بَلْ الْمَرْجِعُ فِي الصِّيغَةِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْخِطَابِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ؛ وَلِذَلِكَ صَحَّحُوا الْهِبَةَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: أعمرتك هَذِهِ الدَّارَ وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْهَمُ مِنْهُ أَهْلُ الْخِطَابِ بِهِ الْهِبَةَ. وَتَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ بِجَهَازِهَا إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْعَطِيَّةَ مُطْلَقًا فِي كِتَابِهِ؛ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ. وَالْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمَعَانِي فَأَيُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَقْصُودُ الْعَقْدِ انْعَقَدَ بِهِ. وَعَلَى هَذَا قَاعِدَةُ النَّاسِ إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ لِابْنِهِ أَمَةً وَقَالَ: خُذْهَا لَك اسْتَمْتِعْ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا عِنْدَهُمْ. وَأَيْضًا: فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُوطَأُ إلَّا بِمِلْكِ إذَا أَذِنَ لِابْنِهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ إلَّا تَمْلِيكَهَا؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِمْ - كَانَ الِابْنُ وَاطِئًا فِي مِلْكِهِ وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَاحِقُ النَّسَبِ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ. وَأَمَّا إنْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ تَمْلِيكٌ بِحَالِ وَاعْتَقَدَ الِابْنُ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا: كَانَ وَلَدُهُ أَيْضًا حُرًّا وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ