للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَجَابَ:

هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا؛ وَرِثَتْهُ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ زَوْجَتَهُ بِنْتَ الأصبغ الْكَلْبِيَّةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَشَاوَرَ عُثْمَانَ الصَّحَابَةَ فَأَشَارُوا عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْخِلَافُ فِي خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: كَالثَّوْرِيِّ؛ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ كَمَالِكِ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ: كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي الْجَدِيدِ وَافَقَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا هُوَ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ هِيَ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَتَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَرِثُ. وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: إنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدْ تَعَلَّقَ الْوَرَثَةُ بِمَالِهِ مِنْ حِينِ الْمَرَضِ؛ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ إلَّا مَا يَتَصَرَّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ وَيَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْإِرْثِ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَجْنَبِيٍّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ.