للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ اللَّاعِبَ بِهَا كَالْغَامِسِ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ وَكَاَلَّذِي يُشَقِّصُ الْخَنَازِيرَ: يَقْصِبُهَا وَيَقْطَعُ لَحْمَهَا كَمَا يَصْنَعُ الْقَصَّابُ. وَهَذَا التَّشْبِيهُ مُتَنَاوِلٌ اللَّعِبَ بِهَا بِالْيَدِ سَوَاءٌ وُجِدَ أَكْلٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ كَمَا أَنَّ غَمْسَ الْيَدِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ وَتَشْقِيصَ لَحْمِهِ مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَكْلٌ بِالْفَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ يُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَكَذَلِكَ النَّرْدُ يُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَهَذَا يَتَقَرَّرُ بِوُجُوهِ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَحْرِيمُ " النَّرْدِ " " وَالشِّطْرَنْجِ " وَنَحْوِهِمَا. " أَحَدُهَا " أَنْ يُقَالَ: النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِصُورَةِ الْمُقَامَرَةِ فَقَطْ؛ فَإِنَّهُ لَوْ بَذَلَ الْعِوَضَ أَحَدُ الْمُتَلَاعِبَيْنِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكَانَ مِنْ صُوَرِ الْجِعَالَةِ؛ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ؛ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ: كَالْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ} لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِمَارًا. وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْمَلَاعِبُ مِنْ الْبَاطِلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ} . قَوْلُهُ " مِنْ الْبَاطِلِ " أَيْ مِمَّا لَا يَنْفَعُ فَإِنَّ الْبَاطِلَ ضِدُّ الْحَقِّ. وَالْحَقُّ يُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ اعْتِقَادُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ. وَيُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَقْصُودُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ وَهُوَ الْأَمْرُ النَّافِعُ فَمَا لَيْسَ مِنْ هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لَيْسَ بِنَافِعِ.