للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ قَدْ تَنَاوَلَ مَا هُوَ فَسْخٌ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ إذَا قَالَ: قَدْ طَلَقَتْ هَذِهِ كَانَ ذَلِكَ فُرْقَةً لَهَا وَاخْتِيَارًا لِلْأُخْرَى؛ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: أَنَّهُ إذَا قَالَ لِإِحْدَاهُمَا طَلِّقْهَا كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لَهَا. قَالُوا: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا لِزَوْجَةٍ. فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْعُقُولِ؛ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ لِلْمَرْأَةِ زَاهِدٌ فِيهَا رَاغِبٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مُخْتَارًا لَهَا مُرِيدًا لِبَقَائِهَا وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ظَنُّهُمْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ لَفْظًا مُعَيَّنًا؛ بَلْ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَيِّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ وَقَعَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُنَازِعْ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ؛ وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَنْ السَّلَفِ. فَإِذَا قَالَ: فَارَقْتُك. أَوْ سَرَّحْتُك. أَوْ: سَيَّبْتُك. وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْكِنَايَاتِ. فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ مَعَ الْعِوَضِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: سَرِّحْنِي أَوْ سَيِّبْنِي بِأَلْفِ أَوْ فَارِقْنِي بِأَلْفِ أَوْ خَلِّنِي بِأَلْفِ. فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ تَقُولَ: فادني بِأَلْفِ أَوْ اخْلَعْنِي بِأَلْفِ أَوْ افْسَخْ نِكَاحِي بِأَلْفِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ. مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَنَوَى بِهِمَا الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَهُمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ. فَأَيُّ فَرْقٍ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ؟ !