للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيْضًا فَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَاءَ لِلْمُلْكِ بَعْدَ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ تَرْكَ بَعْضِ الدِّينِ الْوَاجِبِ. وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ يُجَوِّزُ " الْمُلْكَ " بِالنُّصُوصِ الَّتِي مِنْهَا {قَوْلُهُ لِمُعَاوِيَةَ: إنْ مَلَكْت فَأَحْسِنْ} وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ أُبَّهَةِ الْمُلْكِ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَإِنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك وَيُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ عُمَرَ لَمْ يَنْهَهُ؛ لَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ ذَكَرَ وَجْهَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَثِقْ عُمَرُ بِالْحَاجَةِ. فَصَارَ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَوَسِّطَانِ: أَنْ يُقَالَ: الْخِلَافَةُ وَاجِبَةٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. أَوْ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ قَبُولُهَا مِنْ الْمُلْكِ بِمَا يُيَسِّرُ فِعْلَ الْمَقْصُودِ بِالْوِلَايَةِ وَلَا يُعَسِّرُهُ؛ إذْ مَا يَبْعُدُ الْمَقْصُودُ بِدُونِهِ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ وَأَمَّا مُلْك فَإِيجَابُهُ أَوْ اسْتِحْبَابُهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ. وَهُنَا طَرَفَانِ " أَحَدُهُمَا " مَنْ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَيَذُمُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ لِحَاجَةِ كَمَا هُوَ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَوَائِفَ مِنْ الْمُتَسَنِّنَةِ وَالْمُتَزَهِّدَةِ. وَالثَّانِي: