للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مَحْمُولٌ عَلَى الْفَوَاكِهِ وَالْحُبُوبِ. قِيلَ: هَذَا خَطَأٌ لِوُجُوهِ. " أَحَدُهَا " أَنَّ هَذِهِ مُبَاحَةٌ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ فَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهَا بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَائِدَةٌ. " الثَّانِي " أَنَّ إضَافَةَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَارَ طَعَامًا بِفِعْلِهِمْ وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِي الذَّبَائِحِ الَّتِي صَارَتْ لَحْمًا بِذَكَاتِهِمْ. فَأَمَّا الْفَوَاكِهُ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا مَطْعُومَةً لَمْ تَصِرْ طَعَامًا بِفِعْلِ آدَمِيٍّ. " الثَّالِثُ " أَنَّهُ قَرَنَ حِلَّ الطَّعَامِ بِحِلِّ النِّسَاءِ وَأَبَاحَ طَعَامَنَا لَهُمْ كَمَا أَبَاحَ طَعَامَهُمْ لَنَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ الْمُشْرِكِينَ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الطَّعَامِ. وَالْفَاكِهَةِ وَالْحَبِّ لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. " الرَّابِعُ " أَنَّ لَفْظَ " الطَّعَامِ " عَامٌّ. وَتَنَاوُلُهُ اللَّحْمَ وَنَحْوَهُ أَقْوَى مِنْ تَنَاوُلِهِ لِلْفَاكِهَةِ فَيَجِبُ إقْرَارُ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ؛ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قُرِنَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وَنَحْنُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُطْعِمَهُمْ كُلَّ أَنْوَاعِ طَعَامِنَا فَكَذَلِكَ يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ طَعَامِهِمْ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ؛ بَلْ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَدَتْ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ عَامَ خَيْبَرَ شَاةً مَشْوِيَّةً فَأَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ قَالَ: