للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُهُ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَفِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ أَثْبَتَ الْفِعْلَ وَقَدَّمَهُ وَأَخَّرَ الْحُكْمَ. وَلَمَّا أَخَّرَ الْفِعْلَ وَنَفَاهُ وَقَدَّمَ الْحُكْمَ وَالْمَحْلُوفَ بِهِ مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَكُونَ وَلَا يَهْتِكَ حُرْمَتَهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لِأَنَّهُ كَذَا. وَلِهَذَا كَانَ نَظَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَعْنَى الصِّيغَةِ وَمَقْصُودِ الْمُتَكَلِّمِ سَوَاءً كَانَتْ بِصِيغَةِ الْمَجَازَاتِ أَوْ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ. فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ الْحَطَّ أَوْ الْمَنْعَ جَعَلُوهُ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْمَجَازَاتِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ جَعَلُوهُ نَاذِرًا وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاذِرَ حَالِفًا؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْفِعْلِ بِصِيغَةِ الْمُجَازَاةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمَرَهُ بِهِ وَإِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَكَذَلِكَ الْحَالِفُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اعْتِبَارًا بِالْمَقْصُودِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ أُمِرَ بِهِ وَهُوَ النَّذْرُ الَّذِي يُوَفَّى بِهِ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ وَأَرْضَى مِنْهُ أُمِرَ بِالْأَحَبِّ الْأَرْضَى لِلَّهِ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَأُمِرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَهَذَا كُلُّهُ تَحْقِيقًا لِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَنَّ كُلَّ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَرْطٍ تَضَمَّنَ مَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا بَلْ يَجِبُ تَقْدِيمُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ.