للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ ": إمَّا فَصْلٌ بِصُلْحِ. فَهَذَا هُوَ الْغَايَةُ لِأَنَّهُ حَصَّلَ الْمَقَاصِدَ الثَّلَاثَ عَلَى التَّمَامِ. وَإِمَّا فَصْلٌ بِحُكْمِ مَرَّ. فَقَدْ حَصَلَ مَعَهُ وُصُولُ الْحَقِّ وَقَطْعُ الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ: وَإِمَّا صُلْحٌ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ مَا يَدَّعِي أَنَّهُ حَقٌّ. فَهَذَا أَيْضًا قَدْ حَصَّلَ مَقْصُودَ الصُّلْحِ وَقَطَعَ النِّزَاعَ؛ وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ وُصُولِ الْحُقُوقِ؛ لَكِنْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّرْكِ. وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصُّلْحِ أَحْسَنُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَصْلِ الْمُرِّ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي دَفْعِ الْخُصُومَةِ وَامْتَازَ ذَلِكَ بِصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مَعَ تَرْكِ أَحَدِهِمَا لِحَقِّهِ؛ وَامْتَازَ الْآخَرُ بِأَخْذِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ مَعَ ضَغَائِنَ. فَتِلْكَ الْمَصْلَحَةُ أَكْمَلُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَقَدْ يَكُونُ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا لَا فَضْلَ وَلَا صُلْحَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ يَحْصُلُ بِهِ مَفْسَدَةُ تَرْكِ الْقَضَاءِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي يَدِ صَاحِبِهِ كَالْوَقْفِ وَغَيْرِهِ يَخَافُ إنْ لَمْ يُحْفَظْ بِالْبَيِّنَاتِ أَنْ يُنْسِيَهُ شَرْط وَيَجْحَد وَلَا يَأْتِيهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهُنَا فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حِفْظُ الْحَقِّ الْمَجْحُودِ عَنْ خَصْمٍ مُقَدَّرٍ وَهَذَا أَحَدُ مَقْصُودَيْ الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ يُسْمَعُ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ فَعِنْدَهُ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ فَائِدَةٌ إلَّا فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ وَلَا قَضَاءَ؛ فَلِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ إلَّا فِي وَجْهٍ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِتَظْهَرَ الْخُصُومَةُ. وَمَنْ قَالَ بِالْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ فَإِنَّهُ يُنْصَبُ لِلشَّرِّ ثُمَّ يَقْطَعُهُ وَمَنْ قَالَ تُسْمَعُ فَإِنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ الْمَوْجُودَ وَيَذَرُ الشَّرَّ الْمَفْقُودَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.