للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا ذَكَرْت أَلْفَاظَهُمْ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا. فَاَلَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِهِ؛ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ يَدْنُو وَيَقْرُبُ مِنْ عِبَادِهِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أَوْ قَدِيمٌ فَأَصْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَدْنُوَ إلَيْهِ. فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِهَذَا مَعَ هَذَا؛ كَانَ مِنْ تَنَاقُضِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَصْلَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ. وَأَهْلُ الْكَلَامِ قَدْ يَعْرِفُونَ مِنْ حَقَائِقِ أُصُولِهِمْ وَلَوَازِمِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْمَقَالَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهَا وَلَوَازِمَهَا؛ فَلِذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارَ السَّلَفِ مُتَظَاهِرَةٌ بِالْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ: لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ أَثَرٍ؛ وَإِنَّمَا أَصْلُهُ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ فَرَّقَ وَوَافَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُقِرُّ بِمَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَبِمَا يَقُولُهُ الْنُّفَاةِ مِمَّا يُنَاقِضُ ذَلِكَ وَلَا يَهْتَدِي لِلتَّنَاقُضِ {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ. وَهَذَا قَدْ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ وَجَعَلُوا هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَ عَلَيْهِ حَدِيثَ النُّزُولِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَعَلَ نُزُولَهُ مِنْ جِنْسِ