للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ يَحُدُّونَ بِهَا الْحَرَكَةَ. وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي الرَّبِّ تَعَالَى هَلْ تَقُومُ بِهِ جِنْسُ الْحَرَكَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَأَصْحَابُ " أَرِسْطُو " جَعَلُوا الْحَرَكَةَ مُخْتَصَّةً بِالْأَجْسَامِ وَيَصِفُونَ النَّفْسَ بِنَوْعِ مِنْ الْحَرَكَةِ؛ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ جِسْمًا فَيَتَنَاقَضُونَ. وَكَانَتْ الْحَرَكَةُ عِنْدَهُمْ " ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ " فَزَادَ ابْنُ سِينَا فِيهَا قِسْمًا رَابِعًا فَصَارَتْ " أَرْبَعَةً ". وَيَجْعَلُونَ الْحَرَكَةَ جِنْسًا تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ: حَرَكَةٌ فِي الْكَيْفِ وَحَرَكَةٌ فِي الْكَمِّ. وَحَرَكَةٌ فِي الْوَضْعِ وَحَرَكَةٌ فِي الْأَيْنِ. " فَالْحَرَكَةُ فِي الْكَيْفِ " هِيَ تَحَوُّلُ الشَّيْءِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ؛ مِثْلَ اسْوِدَادِهِ وَاحْمِرَارِهِ وَاخْضِرَارِهِ وَاصْفِرَارِهِ وَمِثْلَ مَصِيرِهِ حُلْوًا وَحَامِضًا وَمِثْلَ تَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ؛ وَكَذَلِكَ فِي النُّفُوسِ كَعِلْمِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ جَهْلِهِ وَحُبِّهِ بَعْدَ بُغْضِهِ وَإِيمَانِهِ بَعْدَ كُفْرِهِ وَفَرَحِهِ بَعْدَ حُزْنِهِ وَرِضَاهُ بَعْدَ غَضَبِهِ؛ كُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ حَرَكَةٌ فِي الْكَيْفِ وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ مِنْهُمْ الْحَرَكَةَ؛ فَإِنَّ إرَادَتَهُ لِإِحْدَاثِ الشَّيْءِ عِنْدَهُمْ حَرَكَةٌ. و " الْحَرَكَةُ فِي الْكَمِّ " مِثْلُ امْتِدَادِ الشَّيْءِ مِثْلُ كِبَرِ الْحَيَوَانِ بَعْدَ صِغَرِهِ وَطُولِهِ بَعْدَ قِصَرِهِ وَمِثْلُ امْتِدَادِ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ وَامْتِدَادِ عُرُوقِهِ فِي الْأَرْضِ وَأَغْصَانِهِ فِي الْهَوَاءِ فَهَذَا حَرَكَةٌ فِي الْمِقْدَارِ وَالْكَمِّيَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حَرَكَةٌ فِي الصِّفَاتِ وَالْكَيْفِيَّةِ.