للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَبَيَّنْت فِي بَعْضِ رَسَائِلِي: أَنَّ الْأَمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ تَارَةً وَعَلَى مُتَعَلِّقِهَا أُخْرَى؛ " فَالرَّحْمَةُ " صِفَةٌ لِلَّهِ وَيُسَمَّى مَا خَلَقَ رَحْمَةً وَالْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسَمَّى " الْمَقْدُورُ " قُدْرَةً وَيُسَمَّى تَعَلُّقُهَا " بِالْمَقْدُورِ " قُدْرَةً وَالْخَلْقُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسَمَّى خَلْقًا وَالْعِلْمُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَيُسَمَّى الْمَعْلُومُ أَوْ الْمُتَعَلِّقُ عِلْمًا؛ فَتَارَةً يُرَادُ الصِّفَةُ وَتَارَةً يُرَادُ مُتَعَلِّقُهَا وَتَارَةً يُرَادُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ. وَ " الْأَمْرُ " مَصْدَرٌ فَالْمَأْمُورُ بِهِ يُسَمَّى أَمْرًا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ سُمِّيَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَةً؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِالْكَلِمَةِ وَكَائِنٌ بِالْكَلِمَةِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ الْجَهْمِيَّة لَمَّا قَالُوا: عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ إذَا كَانَ كَلَامَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَخْلُوقًا؛ فَإِنَّ عِيسَى لَيْسَ هُوَ نَفْسَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خُلِقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى خِلَافِ سُنَّةِ الْمَخْلُوقِينَ فَخُرِقَتْ فِيهِ الْعَادَةُ وَقِيلَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ. وَالْقُرْآنُ نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ. فَمَنْ تَدَبَّرَ مَا وَرَدَ فِي " بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ " وَإِنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ. أَوْ بَعْضِ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ حَيْثُ وَرَدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ طَرْدًا لِلْمُثْبِتِ وَنَقْضًا لِلنَّافِي؛ بَلْ يُنْظَرُ فِي كُلِّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ بِخُصُوصِهِ وَسِيَاقِهِ وَمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالدَّلَالَاتِ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مُهِمٌّ نَافِعٌ فِي بَابِ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا مُطْلَقًا وَنَافِعٌ فِي مَعْرِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ وَطَرْدِ الدَّلِيلِ وَنَقْضِهِ فَهُوَ