للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَاكِتًا أَوْ أَخْرَسَ كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَمِيعًا كَانَ أَصَمَّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَصِيرًا كَانَ أَعْمَى وَلِأَنَّ ذَاتَه قَابِلَةٌ لِلْكَلَامِ وَالْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ هَكَذَا يَحْتَجُّونَ لَهُ. وَقَدْ نُوزِعُوا فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ الْعُقَلَاءُ حَتَّى أَصْحَابُهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ: مِثْلُ الرَّازِي والآمدي؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ ادَّعَوْا أَنَّ الْجِسْمَ لَمَّا كَانَ قَابِلًا لِلْأَعْرَاضِ لَمْ يَخْلُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْرَاضِ مِنْ بَعْضِهَا وَقَالُوا: إنَّ الْهَوَاءَ لَهُ طَعْمٌ وَلَوْنٌ وَرِيحٌ فَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ. لَكِنْ تَقْرِيرُ " الْحُجَّةِ " بِأَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إذَا كَانَ قَابِلًا لِلِاتِّصَافِ بِشَيْءِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ؛ أَوْ مِنْ ضِدِّهِ. أَوْ يُقَالَ: بِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلِاتِّصَافِ بِصِفَةِ كَمَالٍ لَزِمَ وُجُودُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ الرَّبُّ قَابِلًا لَهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُودُهُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يَجْعَلُهُ لَا مُتَّصِفًا وَلَا فَاعِلًا؛ بَلْ ذَاتُهُ وَحْدَهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِمَا كَانَ قَابِلًا لَهُ وَإِذَا كَانَتْ ذَاتُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِمَا هُوَ قَابِلٌ لَهُ وَذَاتُهُ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ كَانَ الْمَقْبُولُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَهُ وَهُوَ إذَا قَدَّرَ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلضِّدَّيْنِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَكَانَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا لَهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى سَبَبٍ غَيْرِ ذَاتِهِ؛ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ وَوُجُودُ الْمَقْبُولِ لَهُ مُمْكِنٌ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِدًا لَهُ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ مُوجِبَةً لَهُ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَجُودُهُ؛ فَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا لَهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ - لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ - كَانَ مُمْتَنِعًا وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ؛ فَمَا كَانَ مُمْكِنًا لَهُ كَانَ وَاجِبًا لَهُ.