للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وَقَوْلِهِ: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} وَ " النِّدَاءُ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ صَوْتٌ رَفِيعٌ؛ لَا يُطْلَقُ النِّدَاءُ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَوْتِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَإِذَا كَانَ النِّدَاءُ نَوْعًا مِنْ الصَّوْتِ فَالدَّالُّ عَلَى النَّوْعِ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِ بِالضَّرُورَةِ؛ كَمَا لَوْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هُنَا إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هُنَا حَيَوَانًا.

وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ صِفَةً؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الصِّفَاتِ وَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْقُرْآنِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ وَلَا الْقُدْرَةَ صِفَةٌ. وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ فَإِنَّ هَذِهِ أَنْوَاعٌ تَحْتَ جِنْسِ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُ هَذِهِ الصِّفَةِ بِمَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ - كَانَ مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ مُوَافِقًا لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصِّفَةُ ثَابِتَةً بِمُجَرَّدِ هَذَا الْخَبَرِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ تَكْلِيمِ مُوسَى وَسَمْعِ مُوسَى لِكَلَامِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَّا الصَّوْتُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُوسَى: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا