للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّمْلِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} . وَفِي حَدِيثِ {عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا - وَكَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَسَمِعَهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: فَقُلْت لَهُ إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ؛ قَالَ: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ قَالَ: فَقُلْت: بَلَى. قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ} وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو البختري: أَمَا إنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا لَهُمْ، وَلَوْ أَمَرُوهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا أَطَاعُوهُمْ، وَلَكِنْ أَمَرُوهُمْ فَجَعَلُوا حَلَالَ اللَّهِ حَرَامَهُ وَحَرَامَهُ حَلَالَهُ؛ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: قُلْت لِأَبِي الْعَالِيَةِ: كَيْفَ كَانَتْ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ؟ قَالَ: كَانَتْ الرُّبُوبِيَّةُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ فَقَالُوا: لَنْ نَسْبِقَ أَحْبَارَنَا بِشَيْءِ؛ فَمَا أَمَرُونَا بِهِ ائْتَمَرْنَا وَمَا نَهَوْنَا عَنْهُ انْتَهَيْنَا لِقَوْلِهِمْ فَاسْتَنْصَحُوا الرِّجَالَ وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ كَانَتْ فِي تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ لَا أَنَّهُمْ صَلَّوْا لَهُمْ وَصَامُوا لَهُمْ وَدَعَوْهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهَذِهِ عِبَادَةٌ لِلرِّجَالِ وَتِلْكَ عِبَادَةٌ لِلْأَمْوَالِ وَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ بِقَوْلِهِ: {لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} . فَهَذَا مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي