للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بعتبة فَإِنَّهُ قَامَ فِيهِ دَلِيلَانِ مُتَعَارِضَانِ: الْفِرَاشُ وَالشَّبَهُ وَالنَّسَبُ فِي الظَّاهِرِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ أَقْوَى وَلِأَنَّهَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مُبَاحٌ وَالْفُجُورُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَيَجِبُ سَتْرُهُ لَا إظْهَارُهُ كَمَا قَالَ: {لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ} كَمَا يُقَالُ: بِفِيك الكَثْكَث (١) وَبِفِيك الأثلبَ (٢) أَيْ: عَلَيْك أَنْ تَسْكُتَ عَنْ إظْهَارِ الْفُجُورِ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ احْتِجَابُهَا مِنْهُ مُمْكِنًا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَخَاهَا فِي الْبَاطِنِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ يُنْفَى فِي حُكْمٍ وَيَثْبُتُ فِي حُكْمٍ. فَهُوَ أَخٌ فِي الْمِيرَاثِ وَلَيْسَ بِأَخٍ فِي المحرمية. وَكَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إلَّا مَنْ شَذَّ؛ لَيْسَ بِوَلَدِ فِي الْمِيرَاثِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ وَلَدٌ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ والمحرمية. وَلَفْظُ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَفِي النَّهْيِ يَعُمُّ النَّاقِصَ وَالْكَامِلَ؛ فَيَنْهَى عَنْ الْعَقْدِ مُفْرَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ كَقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَهَذَا لِأَنَّ الْآمِرَ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ وَتَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي طَعَامًا؛ فَالْمَقْصُودُ مَا يَحْصُلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالنَّاهِي مَقْصُودُهُ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ فَيَدْخُلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ مَفْسَدَةٌ


(١) في المطبوعة: " الكثلب " وهو خطأ، والكثكث: التراب وفتات الحجارة، أنظر: القاموس مادة " كثث "
(٢) الأثلب مثل الكثكث: التراب وفتات الحجارة، أنظر القاموس مادة " ثلب "