للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِدُونِ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ هُوَ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ وَهَذَا لَا يُسَمَّى قَوْلًا إلَّا بِالتَّقْيِيدِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْجَوَارِحِ بِدُونِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ هِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُنَافِقِينَ؛ الَّتِي لَا يَتَقَبَّلُهَا اللَّهُ. فَقَوْلُ السَّلَفِ: يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُ دُخُولَ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَنِيَّةٌ. ثُمَّ بَيَّنَ آخَرُونَ: أَنَّ مُطْلَقَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ لَا يَكُونُ مَقْبُولًا إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ. وَهَذَا حَقٌّ أَيْضًا فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا: قَوْلٌ وَعَمَلٌ لِيُبَيِّنُوا اشْتِمَالَهُ عَلَى الْجِنْسِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ ذِكْرَ صِفَاتِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ؛ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ. جَعَلَ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ اسْمًا لِمَا يَظْهَرُ؛ فَاحْتَاجَ أَنْ يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ الْقَلْبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْخِلَ فِي قَوْلِهِ: اعْتِقَادَ الْقَلْبِ أَعْمَالَ الْقَلْبِ الْمُقَارِنَةِ لِتَصْدِيقِهِ مِثْلُ حَبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ دُخُولَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فِي الْإِيمَانِ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ باتفاق الطَّوَائِفِ كُلِّهَا. وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لَمْ يُوَافِقُوا فِي إطْلَاقِ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا ذِكْرَ الزِّيَادَةِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَجِدُوا ذِكْرَ النَّقْصِ وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ كَقَوْلِ سَائِرِهِمْ: إنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؛ وَبَعْضُهُمْ عَدَلَ عَنْ لَفْظِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إلَى لَفْظِ التَّفَاضُلِ فَقَالَ أَقُولُ: الْإِيمَانُ يَتَفَاضَلُ وَيَتَفَاوَتُ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ