للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} فَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَذَكَرَ وَعِيدَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} . وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْوَعِيدَ اسْتَحَقُّوهُ بِهَذَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَابَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّمَا اسْتَحَقُّوا الْوَعِيدَ لِزَوَالِ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ حُبَّ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ اسْتِحْبَابَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ هُوَ الْأَصْلُ الْمُوجِبُ لِلْخُسْرَانِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْكُفْرَ يَضُرُّ فِي الْآخِرَةِ وَبِأَنَّهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَ " أَيْضًا " فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَثْنَى الْمُكْرَهَ مِنْ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَكْذِيبِ الْقَلْبِ وَجَهْلِهِ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ الْمُكْرَهَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فَعُلِمَ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ لَا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ. وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أَيْ: لِاسْتِحْبَابِهِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ مِنْ الدُّنْيَا} وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ وَأَمْثَالِهِمَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ