للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْمُبَايِنُ لِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ فَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} - إلَى قَوْلِهِ - {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} إلَى {قَدِيرًا} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدَرُوا عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا وَقْتًا آخَرَ. وَهَذِهِ قُدْرَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. وَقَوْلُهُ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} - إلَى قَوْلِهِ - {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا} الْآيَةَ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَفِي قَوْلِهِ قَادِرِينَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: قَادِرِينَ عَلَى جَنَّتِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ قَالَهُ قتادة. قُلْت: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وقتادة. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: قَادِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ البغوي: قَادِرِينَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى جَنَّتِهِمْ. وَثِمَارُهَا لَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا أَحَدٌ وَعَنْ قتادة قَالَ: غَدَا الْقَوْمُ وَهُمْ يَحْدُونَ إلَى جَنَّتِهِمْ. قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَالثَّانِي: قَادِرِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ: أَيْ عَلَى مَنْعِهِمْ وَقِيلَ: عَلَى إعْطَائِهِمْ لَكِنَّ الْبُخْلَ مَنَعَهُمْ مِنْ الْإِعْطَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالثَّالِثُ: غَدَوْا وَهُمْ قَادِرِينَ. أَيْ وَاجِدُونَ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. قُلْت: الْآيَةُ وَصَفَتْهُمْ بِأَنَّهُمْ غَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَالْحَرْدُ يَرْجِعُ إلَى الْقَصْدِ فَغَدَوْا بِإِرَادَةِ جَازِمَةٍ وَقُدْرَةٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعْجَزَهُمْ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: قَادِرِينَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ: أَيْ ظَنُّوا أَنَّ الْأَمْرَ يَبْقَى كَمَا كَانَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَمَّتْ قُدْرَتُهُمْ لَكِنْ سُلِبُوا الْقُدْرَةَ بِإِهْلَاكِ جَنَّتِهِمْ.