للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي إلَى عِبَادِهِ هِيَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ يَفْرَحُونَ بِهَا وَيَلْتَذُّونَ بِهَا؛ وَهَذَا فِي الْمَأْمُورَاتِ وَفِي الْمَخْلُوقَاتِ. أَمَّا فِي " الْمَأْمُورَاتِ " فَإِنَّ الطَّاعَةَ هُوَ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا؛ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَعْظَمَ فَرَحٍ يَعْرِفُهُ النَّاسُ؛ فَهُوَ يَفْرَحُ أَعْظَمَ مِمَّا يَفْرَحُ الْفَاقِدُ لِزَادِهِ وَرَاحِلَتِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إذَا وَجَدَهَا بَعْدَ الْيَأْسِ؛ كَمَا أَنَّهُ يَغَارُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرَةِ الْعِبَادِ؛ وَغَيْرَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَغَارُ إذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا نَهَاهُ وَيَفْرَحُ إذَا تَابَ وَرَجَعَ إلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ وَالطَّاعَةُ عَاقِبَتُهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَذَلِكَ مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ الْعَبْدُ الْمُطِيعُ؛ فَكَانَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ وَإِلَى عِبَادِهِ فَفِيهَا حِكْمَةٌ لَهُ وَرَحْمَةٌ لِعِبَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} فَفِي الْجِهَادِ عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّونَهَا: وَهِيَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ؛ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ؛ وَفِيهِ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ؛ وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فَهُوَ يُحِبُّ ذَلِكَ؛ فَفِيهِ حِكْمَةٌ عَائِدَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ رَحْمَةٌ لِلْعِبَادِ؛ وَهِيَ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا