للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِذَلِكَ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهَا وَمَنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ فَلَيْسَ مَخْلُوقًا لَهَا؛ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَا خَلَقْت مَنْ يَعْبُدُنِي إلَّا لَيَعْبُدَنِي؛ وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْفَرَّاءُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ - وَهَذَا قَوْلٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ - قَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَهَذَا قَوْلُ الكَرَّامِيَة. كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} ثُمَّ قَالَ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَنْفَعُهُمْ الذِّكْرَى. قَالُوا: وَهِيَ غَايَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاقِعَةٌ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ وَقَعَتْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ؛ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَفْعَلُ لِعِلَّةِ. قَالُوا: - وَاللَّفْظُ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى - هَذَا بِمَعْنَى الْخُصُوصِ لَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْبُلْهَ وَالْأَطْفَالَ وَالْمَجَانِينَ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْخِطَابِ. وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْإِنْسِ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ يَخْرُجُونَ مِنْ هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الْآيَةَ. فَمَنْ خُلِقَ لِلشَّقَاءِ وَلِجَهَنَّمَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْعِبَادَةِ. قُلْت: قَوْلُ هَؤُلَاءِ الكَرَّامِيَة وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ مِنْ قَوْلِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ؛ وَقَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَإِنْ وَافَقُوا فِيهِ بَعْضَ السَّلَفِ. فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ. فَإِنَّ قَصْدَ الْعُمُومِ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ وَبَيَّنَ بَيَانًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنَّ الْجَمِيعَ قَدْ فَعَلُوا مَا خُلِقُوا لَهُ