للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَمْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ وَقُدْرَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ أَوْ يُعْضِلَ وَلَكِنْ يَقْضِيَ وَيُقَدِّرَ وَيَخْلُقَ وَيُجْبِلَ عَبْدَهُ عَلَى مَا أَحَبَّ. وَقَالَ الأوزاعي: مَا أَعْرِفُ لِلْجَبْرِ أَصْلًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَأَهَابُ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ وَالْخَلْقَ وَالْجَبْلَ فَهَذَا يُعْرَفُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشخير: لَمْ نُوكَلْ إلَى الْقَدَرِ وَإِلَيْهِ نَصِيرُ. وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَتَّكِلَ عَلَى الْقَدَرِ وَإِلَيْهِ نَصِيرُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ عَلِمَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ} . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْخَلَّالَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَدْخَلُوا الْقَائِلِينَ بِالْجَبْرِ فِي مُسَمَّى " الْقَدَرِيَّةِ " وَإِنْ كَانُوا لَا يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي فَكَيْفَ بِمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْمَعَاصِي؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَمِّ مَنْ ذَمَّ اللَّهُ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَعْظَمُ مِمَّا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُنْكِرُ لَهُ؛ فَإِنَّ ضَلَالَ هَذَا أَعْظَمُ وَلِهَذَا قُرِنَتْ الْقَدَرِيَّةُ بِالْمُرْجِئَةِ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ الْبِدْعَتَيْنِ تُفْسِدُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ؛ فَالْإِرْجَاءُ يُضْعِفُ الْإِيمَانَ بِالْوَعِيدِ وَيُهَوِّنُ أَمْرَ الْفَرَائِضِ وَالْمَحَارِمِ