للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبَاهُ آدَمَ وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ أَشْبَهَ إبْلِيسَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى. {أَنْتَ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمَ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَك التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ فَبِكَمْ وَجَدْت مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} قَالَ: بِكَذَا وَكَذَا سَنَةً قَالَ فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى} . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا حَجَّ مُوسَى لِأَنَّ مُوسَى لَامَهُ عَلَى مَا فَعَلَ لِأَجْلِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمُصِيبَةِ بِسَبَبِ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ لَمْ يَكُنْ لَوْمُهُ لَهُ لِأَجْلِ حَقِّ اللَّهِ فِي الذَّنْبِ. فَإِنَّ آدَمَ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} وَمُوسَى - وَمَنْ هُوَ دُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ لَا يَبْقَى مَلَامٌ عَلَى الذَّنْبِ وَآدَمُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الْحُجَّةَ فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ حُجَّةً عَلَى الذَّنْبِ لَكَانَتْ حُجَّةً لإبليس عَدُوِّ آدَمَ وَحُجَّةً لِفِرْعَوْنَ عَدُوِّ مُوسَى وَحُجَّةً لِكُلِّ كَافِرٍ وَفَاجِرٍ وَبَطَلَ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ؛ بَلْ إنَّمَا كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِآدَمَ عَلَى مُوسَى لِأَنَّهُ لَامَ غَيْرَهُ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْمُصِيبَةُ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ.