للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وَنَحْوُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وَذَكَرَ حَالَ جَمِيعِ الْأُمَمِ الْمَهْدِيَّةِ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الْآيَةَ. وَلِهَذَا أَمَرَ أَهْلَ الْعَقْلِ بِتَدَبُّرِهِ وَأَهْلَ السَّمْعِ بِسَمْعِهِ فَدَعَا فِيهِ إلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّذَكُّرِ وَالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَإِلَى الِاسْتِمَاعِ وَالْإِبْصَارِ وَالْإِصْغَاءِ وَالتَّأَثُّرِ بِالْوَجَلِ وَالْبُكَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. وَلَمَّا كَانَ الْإِقْرَارُ بِالصَّانِعِ فِطْرِيًّا - كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} الْحَدِيثَ - فَإِنَّ الْفِطْرَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِاَللَّهِ وَالْإِنَابَةَ إلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ وَيُعْبَدُ وَقَدْ بَسَطْت هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَةِ: وُصُولَ الْعِبَادِ إلَى مَا خُلِقُوا لَهُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْعِبَادَةُ أَصْلُهَا عِبَادَةُ الْقَلْبِ الْمُسْتَتْبِعِ لِلْجَوَارِحِ فَإِنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْمَلِكُ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ. وَهُوَ الْمُضْغَةُ الَّذِي إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَحَالِهِ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ: بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ: هُوَ أَصْلُ الدَّعْوَةِ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} .