للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيْضًا صَاحِبُ السَّرَّاءِ أَحْوَجُ إلَى الشُّكْرِ، وَصَاحِبُ الضَّرَّاءِ أَحْوَجُ إلَى الصَّبْرِ، فَإِنَّ صَبْرَ هَذَا وَشُكْرَ هَذَا وَاجِبٌ، وَأَمَّا صَبْرُ السَّرَّاءِ فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَصَاحِبُ الضَّرَّاءِ قَدْ يَكُونُ الشُّكْرُ فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبًّا، وَاجْتِمَاعُ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ يَكُونُ مَعَ تَأَلُّمِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذِهَا، وَهَذَا حَالٌ يَعْسُرُ عَلَى كَثِيرٍ وَبَسْطُهُ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْعِمٌ بِهَذَا كُلِّهِ؛ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وَأَمَّا ذُنُوبُ الْإِنْسَانِ فَهِيَ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مَعَ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ نِعْمَةٌ، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي عِبْرَةً لِغَيْرِي، وَلَا تَجْعَلْ غَيْرِي أَسْعَدَ بِمَا عَلَّمْتَنِي مِنِّي وَفِي دُعَاءِ الْقُرْآنِ: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وَكَمَا فِيهِ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا} وَاجْعَلْنَا أَئِمَّةً لِمَنْ يَقْتَدِي بِنَا، وَلَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِمَنْ يَضِلُّ بِنَا، وَالْآلَاءُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النِّعَمُ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْقُدْرَةَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَذْكُرُ آيَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَى قُدْرَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَيَذْكُرُ آيَاتِهِ الَّتِي فِيهَا نِعَمُهُ إلَى عِبَادِهِ وَيَذْكُرُ آيَاتِهِ الْمُبَيِّنَةَ لِحِكْمَتِهِ، وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ؛ لَكِنَّ نِعْمَةَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَلَابِسِ ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ فَلِهَذَا اُسْتُدِلَّ بِهَا فِي " سُورَةِ النَّحْلِ "، وَتُسَمَّى " سُورَةَ النِّعَمِ " كَمَا قَالَهُ قتادة وَغَيْرُهُ، وَعَلَى هَذَا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ الشُّكْرِ مِنْ جِهَةِ أَسْبَابِهِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى نِعْمَةٍ وَغَيْرِهَا، وَالشُّكْرُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ