للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْأُمَّةُ الْمِلَّةُ وَالطَّرِيقَةُ، كَمَا قَالَ: {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} كَمَا تُسَمَّى الطَّرِيقُ إمَامًا؛ لِأَنَّ السَّالِكَ فِيهَا يُؤْتَمُّ بِهِ، فَكَذَلِكَ السَّالِكُ يَؤُمُّهُ وَيَقْصِدُهُ، وَالْأُمَّةُ أَيْضًا مُعَلِّمُ الْخَيْرِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ النَّاسُ، وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً. وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّسُلَ أَنْ تَكُونَ مِلَّتُهُمْ وَدِينُهُمْ وَاحِدًا، لَا يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: {إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الْآيَةَ. وَلِهَذَا كَانَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ مع تَنَوُّعِ شَرَائِعِهِمْ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُطَاعِينَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ مُتَّبِعًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَدَعَا إلَيْهِ وَأَحَبَّ مَنْ دَعَا إلَى مِثْلِ مَا دَعَا إلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ، فَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ؛ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ؛ وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ يَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ فَهَذَا يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعَ الْمَعْبُودَ؛ وَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ حَالِ فِرْعَوْنَ وَأَشْبَاهِهِ؛ فَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ دُونَ اللَّهِ فَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ؛ وَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ مَعَ اللَّهِ فَهَذَا يُرِيدُ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَكُونَ الدِّينُ إلَّا لَهُ؛ وَتَكُونُ الْمُوَالَاةُ فِيهِ وَالْمُعَادَاةُ فِيهِ؛ وَلَا يُتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ؛ وَلَا يُسْتَعَانُ إلَّا بِهِ.

فَالْمُتَّبِعُ لِلرُّسُلِ يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ لَا لَهُ،