للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَوْنِهِ يُنَعَّمُ بِهَذِهِ وَيُعَذَّبُ بِهَذِهِ؛ وَالِالْتِفَاتُ إلَى هَذَا مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ؛ وَمَقَامُ الْفَنَاءِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُشَاهَدَةُ مُرَادِ الْحَقِّ. وَالْأَشْعَرِيُّ لَمَّا أَثْبَتَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَخْلُوقِ كَانَ أَعْقَلَ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْعَارِفَ لَا يُفَرِّقُ؛ وَغَلِطُوا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الرَّبِّ؛ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ؛ وَهَذَا مُحَالٌ قَطْعًا، فَعَزَلُوا الْفَرْقَ الرَّحْمَانِيَّ؛ وَفَرَّقُوا بِالطَّبْعِيِّ الْهَوَائِيِّ الشَّيْطَانِيِّ؛ وَمِنْ هُنَا وَقَعَ خَلْقٌ مِنْهُمْ فِي الْمَعَاصِي؛ وَآخَرُونَ فِي الْفُسُوقِ؛ وَآخَرُونَ فِي الْكُفْرِ حَتَّى جَوَّزُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ؛ ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَنْتَقِلُ إلَى الْوِحْدَةِ وَيُصَرِّحُونَ بِعِبَادَةِ كُلِّ مَوْجُودٍ. وَالْمَقْصُودُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ نَفَى الْحُكْمَ وَالْأَسْبَابَ وَالْعَدْلَ فِي الْقَدَرِ مُوَافَقَةً لِجَهْمِ؛ - وَهِيَ بِدْعَتُهُ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْإِرْجَاءِ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى طَوَائِفَ غَيْرِهِ - فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّبَّ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا تَجِدُ مَنْ اتَّبَعَهُمْ غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ بَلْ يَنْحَلُّ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، وَيَتَكَلَّفُ لِمَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّهُمْ إذَا وَافَقُوا جَهْمًا وَالْأَشْعَرِيَّ فِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا أَوْ مَحْظُورًا؛ وَذَلِكَ فَرْقٌ يَعُودُ إلَى حَظِّ الْعَبْدِ؛ وَهُمْ يَدَّعُونَ الْفَنَاءَ عَنْ الْحُظُوظِ؛ فَتَارَةً يَقُولُونَ: فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إنَّهُ مِنْ مَقَامِ التَّلْبِيسِ؛ وَتَارَةً يَقُولُونَ: يَفْعَلُ هَذَا لِأَجْلِ أَهْلِ الْمَارَسْتَانِ أَيْ الْعَامَّةِ - كَمَا يَقُولُهُ: الشَّيْخُ الْمَغْرِبِيُّ؛ إلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ.