للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ أَصْلٌ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ كُلِّ كُفْرٍ وَجَهْلٍ وَفِسْقٍ وَظُلْمٍ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وَقَالَ: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وَقَالَ: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ. وَفِي الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ. وَلِهَذَا: كَانَ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُسَمَّى دَلِيلًا وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يُسَمَّى دَلِيلًا؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّالُّ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بِحَسَبِ مَا غَلَبَ فِي عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِمْ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّالِّ وَالدَّلِيلِ. وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدَّلِيلَ مَعْدُولٌ عَنْ الدَّالِّ وَهُوَ مَا يُؤَكِّدُ فِيهِ صِفَةَ الدَّلَالَةِ فَكُلُّ دَلِيلٍ دَالٌّ وَلَيْسَ كُلُّ دَالٍّ دَلِيلًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ فَعِيلًا لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْآلَاتِ كمفعل ومفعال. وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَجْسَامِ أَدِلَّةً: بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَدُلُّ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهَا كَمَا يُخْبِرُ عَنْهَا بِأَنَّهَا تَهْدِي وَتُرْشِدُ وَتَعْرِفُ وَتَعْلَمُ وَتَقُولُ وَتُجِيبُ وَتَحْكُمُ وَتُفْتِي وَتَقُصُّ وَتَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي ذَلِكَ قَصْدٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا حِسٌّ وَإِدْرَاكٌ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ. فَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرْقِ وَالتَّخْصِيصِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.