للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَالْأَفْضَلُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ رَبًّا لِلْمَفْضُولِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} . وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مَلَاحِدَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الِاتِّحَادِيَّةِ: كالتلمساني. وَالْقَوْلُ بِالِاتِّحَادِ الْعَامِّ الْمُسَمَّى وَحْدَةَ الْوُجُودِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ وَصَاحِبِهِ القونوي وَابْنِ سَبْعِينَ وَابْنِ الْفَارِضِ وَأَمْثَالِهِمْ؛ لَكِنْ لَهُمْ فِي الْمُعَادِ وَالْجَزَاءِ نِزَاعٌ كَمَا أَنَّ لَهُمْ نِزَاعًا فِي أَنَّ الْوُجُودَ هَلْ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الذَّوَاتِ أَمْ لَا وَهَؤُلَاءِ ضَلُّوا مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا جِهَةُ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُجُودِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ. وَأَمَّا شُهُودُ الْقَدَرِ فَيُقَالُ: لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَالْقَدَرُ هُوَ قُدْرَةُ اللَّهِ - كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد - وَهُوَ الْمُقَدِّرُ لِكُلِّ مَا هُوَ كَائِنٌ؛ لَكِنْ هَذَا لَا يَنْفِي حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ - وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَأَنَّ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ نَعِيمٌ وَمِنْهَا مَا يَضُرُّ صَاحِبَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ عَذَابٌ - فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ اشْتِرَاكَ الْجَمِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمَشِيئَةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْأُمُورِ. لَكِنْ نُثْبِتُ فَرْقًا آخَرَ مِنْ جِهَةِ الْحِكْمَةِ وَالْأَوَامِرِ الْإِلَهِيَّةِ وَنِهَايَةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى؛ لَا لِغَيْرِ الْمُتَّقِينَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ: أَنَّ مِنْ الْأُمُورِ مَا هُوَ مُلَائِمٌ لِلْإِنْسَانِ نَافِعٌ لَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ اللَّذَّةُ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مُضَادٌّ لَهُ ضَارٌّ لَهُ يَحْصُلُ بِهِ الْأَلَمُ فَرَجَعَ