للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبُوحَ بِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْأَسْرَارِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا إلَّا مَعَ خَوَاصِّ النَّاسِ وَهِيَ مِمَّا تُطْوَى وَلَا تُرْوَى وَيُنْشِدُونَ:

مَنْ بَاحَ بِالسِّرِّ كَانَ الْقَتْلُ شِيمَتَهُ … مِنْ الرِّجَالِ وَلَمْ يُؤْخَذْ لَهُ ثَأْرٌ

بَاحُوا بِالسِّرِّ تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ … وَكَذَا دِمَاءُ الْبَائِحِينَ تُبَاحُ (١)

وَحَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ يُشْبِهُ قَوْلَ قَائِلٍ: أَنَّ مَا قَالَهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ حَقٌّ وَهُوَ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ؛ لَكِنْ مَا يُمْكِنُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ، وَكَلَامُ صَاحِبِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ وَأَمْثَالِهِ يُشِيرُ إلَى هَذَا وَتَوْحِيدُهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ:

مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ … إذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ

تَوْحِيدٍ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ نَعْتِهِ … عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ

تَوْحِيدُهُ إيَّاهُ تَوْحِيدُهُ … وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لِأَحَدِ

فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمُوَحِّدَ هُوَ الْمُوَحَّدُ، وَأَنَّ النَّاطِقَ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى لِسَانِ الْعَبْدِ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ لَا يُوَحِّدُهُ إلَّا نَفْسَهُ فَلَا يَكُونُ الْمُوَحَّدُ إلَّا الْمُوَحِّدُ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَوْلِ فِرْعَوْنَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وَبَيْنَ قَوْلِ الْحَلَّاجِ: أَنَا الْحَقُّ وَسُبْحَانِي. فَإِنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ ذَلِكَ: وَهُوَ يَشْهَدُ نَفْسَهُ فَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَنَاءِ فَغَابُوا عَنْ نُفُوسِهِمْ وَكَانَ النَّاطِقُ عَلَى لِسَانِهِمْ غَيْرَهُمْ.


(١) هكذا بالأصل
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٧٦):
وهما بيتان، كل بيت على حدة.
البيت الأول من (البسيط) ولفظه:
من باح بالسر كان القتل شيمته … من الرجال ولم يؤخذ له ثار
وقد ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في (الجواب الصحيح) ٤/ ٤٩٧.
وأما البيت الثاني فمن (الكامل) ولفظه:
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم … وكذا دماء البائحين تباح.