للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوُجُودِ وَإِلَى الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ وَاجِبَ الْوُجُودِ ابْتِدَاءً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوُجُودَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وَاجِبٍ. وَهَذِهِ الطُّرُقُ فِيهَا فَسَادٌ كَثِيرُ مِنْ جِهَةِ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ: أَمَّا الْمَقَاصِدُ فَإِنَّ حَاصِلَهَا بَعْدَ التَّعَبِ - الْكَثِيرِ وَالسَّلَامَةِ - خَيْرٌ قَلِيلٌ فَهِيَ لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ. ثُمَّ إنَّهُ يَفُوتُ بِهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَحْمُودَةِ مَا لَا يَنْضَبِطُ هُنَا. وَأَمَّا الْوَسَائِلُ: فَإِنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ كَثِيرَةُ الْمُقَدِّمَاتِ يَنْقَطِعُ السَّالِكُونَ فِيهَا كَثِيرًا قَبْلَ الْوُصُولِ وَمُقَدِّمَاتُهَا فِي الْغَالِبِ إمَّا مُشْتَبِهَةٌ يَقَعُ النِّزَاعُ فِيهَا وَإِمَّا خَفِيَّةٌ لَا يُدْرِكُهَا إلَّا الْأَذْكِيَاءُ. وَلِهَذَا لَا يَتَّفِقُ مِنْهُمْ اثْنَانِ رَئِيسَانِ عَلَى جَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلٍ إلَّا نَادِرًا. فَكُلُّ رَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين: لَهُ طَرِيقَةٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الرَّئِيسِ الْآخَرِ بِحَيْثُ يَقْدَحُ كُلٌّ مِنْ أَتْبَاعِ أَحَدِهِمَا فِي طَرِيقَةِ الْآخَرِ وَيَعْتَقِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِطَرِيقَتِهِ؛ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمِلَّةِ بَلْ عَامَّةُ السَّلَفِ يُخَالِفُونَهُ فِيهَا. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ غَالِبَ الْمُتَكَلِّمِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالِمِ ثُمَّ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى مُحْدِثِهِ؛ ثُمَّ لَهُمْ فِي إثْبَاتِ حُدُوثِهِ طُرُقٌ: فَأَكْثَرُهُمْ يَسْتَدِلُّونَ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ؛ وَهِيَ صِفَاتُ الْأَجْسَامِ. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إثْبَاتَ الصَّانِعِ وَالنُّبُوَّةِ: لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ اعْتِقَادِ