للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّفْسِ وَطَلَبَ حُظُوظَهَا؛ فَإِنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ فَالرَّبُّ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ إلَّا أَنَّ مِنْ الْأُمُورِ مَا مَعَهُ حَظٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ لَذَّةٍ يُصِيبُهَا وَمِنْهَا مَا مَعَهُ أَلَمٌ لِبَعْضِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَ هَذَا مَشْهَدُهُ فَإِنَّهُ قَطْعًا يَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ لَمْ يُفَرِّقْ إلَّا لِنَقْصِ مَعْرِفَتِهِ، وَشُهُودُهُ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمُرِيدٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمُحِبٌّ - عَلَى قَوْلِهِمْ - لِكُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا لِفَرْقِ يَرْجِعُ إلَى حَظِّهِ وَهَوَاهُ فَيَكُونُ طَالِبًا لِحَظِّهِ ذَابًّا عَنْ نَفْسِهِ. وَهَذَا عِلَّةٌ وَعَيْبٌ عِنْدَهُمْ. فَصَارَ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَنْ فَرَّقَ: إمَّا نَاقِصُ الْمَعْرِفَةِ وَالشَّهَادَةِ وَإِمَّا نَاقِصُ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ. وَكِلَاهُمَا عِلَّةٌ؛ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْفَنَاءِ فِي مَشْهَدِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ بِإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ عِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ فَلَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ. وَلِهَذَا فِي الْكَلَامِ الْمَنْقُولِ عَنْ الذبيلي وَأَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَيْت أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِك فَرْقٌ. خَرَجْت عَنْ حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ أَوْ قَالَ: عَنْ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ التَّوَكُّلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُعْدَمُ مِنْ الْحَيَوَانِ دَائِمًا بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَمِيلُ إلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ لَكِنَّهُ فِي حَالِ الْفَنَاءِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَمِيلَ إلَى أُمُورٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيُرِيدُهَا وَأُمُورٍ تَضُرُّهُ فَيَكْرَهُهَا وَهَذَا فَرْقٌ طَبِيعِيٌّ لَا يَخْلُو مِنْهُ بَشَرٌ.