للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا يَكُونُونَ مَأْمُورِينَ إلَّا بِمَا فَعَلُوهُ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ: {صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ} وَلَوْ أُرِيدَ الْمُقَارِنُ لَكَانَ الْمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَتَكُونُ مُخَيَّرًا وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ عُلِّقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وُجُوبُهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَعَدَمُهُ بِعَدَمِهَا لَمْ يُرَدْ بِهِ الْمُقَارَنَةُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ إلَّا عَلَى مَنْ فَعَلَهَا وَقَدْ أَسْقَطَهَا عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَلَا يَأْثَمُ أَحَدٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا " الِاسْتِطَاعَةُ الْمُقَارِنَةُ الْمُوجِبَةُ " فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} وَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} فَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ الْمُقَارِنَةُ الْمُوجِبَةُ إذْ الْأُخْرَى لَا بُدَّ مِنْهَا فِي التَّكْلِيفِ. " فَالْأُولَى " هِيَ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَعَلَيْهَا يَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ وَهِيَ الْغَالِبَةُ فِي عُرْفِ النَّاسِ. وَ " الثَّانِيَةُ ": هِيَ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَبِهَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الْفِعْلِ فَالْأُولَى لِلْكَلِمَاتِ الْأَمْرِيَّاتِ الشَّرْعِيَّاتِ وَ " الثَّانِيَةُ " لِلْكَلِمَاتِ الْخِلْقِيَّاتِ الْكَوْنِيَّاتِ. كَمَا قَالَ: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى خِلَافِ مَعْلُومِ الْحَقِّ أَوْ مُرَادِهِ