للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْبَيَانَ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فَإِنْ قُلْت: إثْبَاتُ الْقُدْرَةِ سَبَبُ نَفْيٍ لِلتَّأْثِيرِ فِي الْحَقِيقَةِ فَمَا بَالُ الْفِعْلِ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ؟ وَمَا بَالُهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى؟ وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ وَهَلْ هَذَا إلَّا مَحْضُ الْجَبْرِ؟ وَإِذَا كُنْت مُشَبِّهًا لِقُدْرَةِ الْإِنْسَانِ بِقَلَمِ الْكَاتِبِ وَعَصَا الضَّارِبِ فَهَلْ رَأَيْت الْقَلَمَ يُثَابُ أَوْ الْعَصَا تُعَاقَبُ؟ وَأَقُولُ لَك الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَجَبَ هُدَاك بِمَعُونَةِ مَوْلَاك وَإِنْ لَمْ تَطَّلِعْ مِنْ أَسْرَارِ الْقَدَرِ إلَّا عَلَى مِثْلِ ضَرْبِ الْأَثَرِ وَأَلْقِ السَّمْعَ وَأَنْتَ شَهِيدٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُمِدَّك بِالتَّأْيِيدِ.

اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَهُ مَشِيئَةٌ ثَابِتَةٌ وَلَهُ إرَادَةٌ جَازِمَةٌ وَقُوَّةٌ صَالِحَةٌ وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِإِثْبَاتِ مَشِيئَةِ الْعِبَادِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ كَقَوْلِهِ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} {وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وَنَطَقَ بِإِثْبَاتِ فِعْلِهِ فِي عَامَّةِ آيَاتِ الْقُرْآنِ: {يعملون} {يفعلون} {يؤمنون} {يكفرون} {يتفكرون} {يحافظون} {يتقون} . وَكَمَا أَنَّا فَارَقْنَا مَجُوسَ الْأُمَّةِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقٌ فَارَقْنَا الْجَبْرِيَّةَ بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْعَبْدَ كَاسِبٌ فَاعِلٌ صَانِعٌ عَامِلٌ وَالْجَبْرُ الْمَعْقُولُ الَّذِي أَنْكَرَهُ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ صَادِرًا عَلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةٍ وَلَا مَشِيئَةٍ