للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ قَدِيمَةٌ وَيَقُولُونَ: لَيْسَ مُرَادُنَا بِالْأَفْعَالِ نَفْسَ الْحَرَكَاتِ وَلَكِنَّ مُرَادَنَا الثَّوَابُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {إنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى عَمَلَهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَسَنِ الْوَجْهِ طَيِّبِ الرِّيحِ} وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ مِنْ الْقَدَرِ وَالْقَدَرُ سِرُّ اللَّهِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الشَّرَائِعَ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِأَنَّهَا أَمْرُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ وَالْأَفْعَالُ هِيَ الشَّرَائِعُ فَتَكُونُ قَدِيمَةً. وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ؛ وَأَحَدُهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَد فَإِنَّهُ نَصَّ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ الَّذِي يُعْطِيهِ اللَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ. فَكَيْفَ بِالثَّوَابِ الَّذِي يُعْطِيهِ عَلَى سَائِرِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ. وَلَمَّا احْتَجَّ الْجَهْمِيَّة عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تَأْتِي الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَابَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ وَيَأْتِي الْقُرْآنُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ الشَّاحِبِ} وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالُوا: وَمَنْ يَأْتِي وَيَذْهَبُ لَا يَكُونُ إلَّا مَخْلُوقًا أَجَابَهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَد بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} وَقَالَ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ