للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَنْهَوْنَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ؛ إلَّا إذَا كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ هَوًى فَيَفْعَلُونَهُ لِأَجْلِ هَوَاهُمْ لَا عِبَادَةً لِمَوْلَاهُمْ؛ وَلِهَذَا لَا يُنْكِرُونَ مَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ إلَّا إذَا خَالَفَ أَغْرَاضَهُمْ فَيُنْكِرُونَهُ إنْكَارًا طَبِيعِيًّا شَيْطَانِيًّا لَا إنْكَارًا شَرْعِيًّا رَحْمَانِيًّا؛ وَلِهَذَا تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ إخْوَانُهُمْ فَيَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يَقْصُرُونَ وَقَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَتُخَاطِبُهُمْ وَتُعِينُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَهْوَائِهِمْ كَمَا كَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَفْعَلُ بِالْمُشْرِكِينَ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ. وَهَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الطَّوَائِفِ الْخَارِجِينَ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ طُرُقًا فِي الْعِبَادَاتِ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُبْتَدَعَةً فِي الدِّينِ وَلَا يَتَحَرَّوْنَ فِي عِبَادَاتِهِمْ واعتقاداتهم مُوَافَقَةَ الرَّسُولِ وَالِاعْتِصَامَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَتَكْثُرُ فِيهِمْ الْأَهْوَاءُ وَالشُّبُهَاتُ وَتُغْوِيهِمْ الشَّيَاطِينُ وَتَصِيرُ فِيهِمْ شُبْهَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِحَسَبِ بُعْدِهِمْ عَنْ الرَّسُولِ وَكَمَا يَجِبُ إنْكَارُ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُضَاهِينَ لِلْمَجُوسِ فَإِنْكَارُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَوْلَى وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ أَحْرَى وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ؛ فَإِنَّ الْبِدَعَ إنَّمَا يَظْهَرُ مِنْهَا أَوَّلًا فَأَوَّلًا الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ كَمَا حَدَثَ فِي آخِرِ عَصْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ ثُمَّ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ بِدْعَةُ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ثُمَّ فِي آخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ بِدْعَةُ الْجَهْمِيَّة مُعَطِّلَةِ الصِّفَاتِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ المباحية الْمُسْقِطُونَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُحْتَجِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدَرِ فَهُمْ شَرٌّ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ وَإِنَّمَا حَدَثُوا بَعْدَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ.