للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعْلِيقٌ لَهَا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ حَرْفَ (أَنْ) تُخَلِّصُ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَالْمَعْنَى: إلَّا أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ: لَا أَفْعَلُ هَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: لَأُصَلِّيَنَّ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنِي غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يَقْضِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَشِيئَةُ هِيَ الْأَمْرَ لَحَنِثَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَلِهَذَا خَرَقَ بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ الْقَدِيمَ وَقَالَ إنَّهُ يَحْنَثُ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} سِيقَ لِبَيَانِ مَدْحِ الرَّبِّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِبَيَانِ قُدْرَتِهِ وَبَيَانِ حَاجَةِ الْعِبَادِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ لَا تَفْعَلُونَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَكُمْ لَكَانَ كُلُّ أَمْرٍ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّبِّ الَّتِي يُمْدَحُ بِهَا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا بِأَمْرِهِ كَانَ هَذَا مَدْحًا لَهُمْ؛ لَا لَهُ.