للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- مَثَلًا - كَالْعَسَلِ: لَمْ يُفِدْهُ الْحَدُّ تَصَوُّرَهَا. وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذَلِكَ كَمَنْ أُخْبِرَ عَنْ السُّكَّرِ - وَهُوَ لَمْ يَذُقْهُ - لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَتَصَوَّرَ حَقِيقَتَهُ بِالْكَلَامِ وَالْحَدِّ بَلْ يُمَثَّلُ لَهُ وَيُقَرَّبُ إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ: طَعْمُهُ يُشْبِهُ كَذَا أَوْ يُشْبِهُ كَذَا وَكَذَا وَهَذَا التَّشْبِيهُ وَالتَّمْثِيلُ لَيْسَ هُوَ الْحَدَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ. وَكَذَلِكَ الْمَحْسُوسَاتُ الْبَاطِنَةُ مِثْلُ الْغَضَبِ وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَنْ وَجَدَهَا فَقَدْ تَصَوَّرَهَا. وَمَنْ لَمْ يَجِدْهَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَتَصَوَّرَهَا بِالْحَدِّ وَلِهَذَا لَا يَتَصَوَّرُ الْأَكْمَهُ الْأَلْوَانَ بِالْحَدِّ وَلَا الْعِنِّينُ الْوِقَاعَ بِالْحَدِّ. فَإِذَنْ الْقَائِلُ: بِأَنَّ الْحُدُودَ هِيَ الَّتِي تُفِيدُ تَصَوُّرَ الْحَقَائِقِ قَائِلٌ لِلْبَاطِلِ الْمَعْلُومِ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا هِيَ أَقْوَالٌ كُلِّيَّةٌ كَقَوْلِنَا: " حَيَوَانٌ نَاطِقٌ " وَ " لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى " وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَتَصَوُّرُ مَعْنَاهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ مُمْتَنِعَةً لِسَبَبِ آخَرَ فَهِيَ إذَنْ لَا تَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِخُصُوصِهَا وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ. وَالْمَعَانِي الْكُلِّيَّةُ وُجُودُهَا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ. فَمَا فِي الْخَارِجِ لَا يَتَعَيَّنُ وَلَا يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْحَدِّ وَمَا فِي الذِّهْنِ لَيْسَ هُوَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ. فَالْحَدُّ لَا يُفِيدُ تَصَوُّرَ حَقِيقَةٍ أَصْلًا.