للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيلَ: إدْرَاكُ الذِّهْنِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ إضَافِيٌّ. فَإِنَّ كَوْنَ الذِّهْنِ لَا يَفْهَمُ هَذَا إلَّا بَعْدَ هَذَا: أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ إدْرَاكِ الذِّهْنِ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا ثَابِتًا لِلْمَوْصُوفِ فِي نَفْسِهِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ بِوَصْفِ ثَابِتٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِدْرَاكُ لَهُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا لِلْحَقِيقَةِ دُونَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الذِّهْنِ لَا يَعْقِلُ هَذَا إلَّا بَعْدَ هَذَا: إنْ كَانَ إشَارَةً إلَى أَذْهَانٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَصَوَّرَتْ هَذَا: لَمْ يَكُنْ هَذَا حُجَّةً لِأَنَّهُمْ هُمْ وَضَعُوهَا هَكَذَا. فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَذْهَانِنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ الذَّاتِيُّ وَمَا أَخَّرْنَاهُ فَهُوَ الْعَرَضِيُّ. وَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّا تَحَكَّمْنَا بِجَعْلِ بَعْضِ الصِّفَاتِ ذَاتِيًّا وَبَعْضِهَا عَرَضِيًّا لَازِمًا وَغَيْرَ لَازِمٍ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا الْفُرْقَانُ مُجَرَّدَ تَحَكُّمٍ بِلَا سُلْطَانٍ. وَلَا يُسْتَنْكَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْمُفْتَرِقَيْنِ وَيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ. فَمَا أَكْثَرَ هَذَا فِي مَقَايِيسِهِمْ الَّتِي ضَلُّوا بِهَا وَأَضَلُّوا. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَفْسَدَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ وَابْتَدَعَ مَا غَيَّرَ بِهِ الصَّابِئَةُ مَذَاهِبَ أَهْلِ الْإِيمَانِ الْمُهْتَدِينَ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ جَمِيعُ أَذْهَانِ بَنِي آدَمَ وَالْأَذْهَانِ الصَّحِيحَةِ لَا تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ