للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ وَطَرِيقُهُ وَكَاشِفُهُ فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُعْلَمَ الْمُعَرَّفُ الْمَحْدُودُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمُعَرِّفِ وَالْعِلْمُ بِصِحَّةِ الْحَدِّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَحْدُودِ. إذْ الْحَدُّ خَبَرٌ عَنْ مُخْبَرٍ [عَنْهُ] (١) هُوَ الْمَحْدُودُ، فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُعْلَمَ صِحَّةُ الْخَبَرِ وَصِدْقُهُ قَبْلَ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِلْخَبَرِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهِ الْمُخْبِرُ، وَالْمُخْبَرُ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَحُدُّونَ الْمَحْدُودَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الذَّاتِيَّةَ وَالْعَرَضِيَّةَ وَيُسَمُّونَهَا أَجْزَاءَ الْحَدِّ وَأَجْزَاءَ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُقَوِّمَةَ لَهَا وَالدَّاخِلَةَ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ امْتَنَعَ تَصَوُّرُهُ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِهَا كَانَ قَدْ تَصَوَّرَهُ بِدُونِ الْحَدِّ. فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ قَدْ تَصَوَّرَهُ بِالْحَدِّ وَهَذَا بَيِّنٌ. فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ: الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْإِنْسَانُ احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَصَوِّرًا لِمُسَمَّى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ احْتَاجَ إلَى شَيْئَيْنِ: تَصَوُّرِ ذَلِكَ وَالْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ كَانَ قَدْ تَصَوَّرَ الْإِنْسَانَ بِدُونِ الْحَدِّ. نَعَمْ الْحَدُّ قَدْ يُنَبِّهُ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ كَمَا يُنَبِّهُ الِاسْمُ؛ فَإِنَّ الذِّهْنَ قَدْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ الشَّيْءِ فَإِذَا سَمِعَ اسْمَهُ وَحْدَهُ أَقْبَلَ بِذِهْنِهِ إلَى الشَّيْءِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالِاسْمِ أَوْ الْحَدِّ. فَيَتَصَوَّرُهُ. فَتَكُونُ فَائِدَةُ الْحَدِّ مِنْ جِنْسِ فَائِدَةِ الِاسْمِ وَتَكُونُ الْحُدُودُ لِلْأَنْوَاعِ بِالصِّفَاتِ كَالْحُدُودِ


(١) ما بين معقوفتين غير موجود في المطبوع، ولم أقف عليه في كتاب صيانة مجموع الفتاوى من السقط والتصحيف

أسامة بن الزهراء - منسق الكتاب للموسوعة الشاملة