للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَقُلْنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ أَوْ قُلْنَا: هُوَ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ. فَقَوْلُنَا: النَّبِيذُ الْمُسْكِرُ خَمْرٌ يُعْلَمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ} " وَقَوْلُنَا " كُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " يُعْلَمُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ؛ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الصُّغْرَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ} ". وَفِي لَفْظٍ: " {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ} ". وَقَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَذَا عَلَى النَّظْمِ الْمَنْطِقِيِّ لِتَبْيِينِ النَّتِيجَةِ بالمقدمتين كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ؛ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ مِمَّنْ يَظُنُّهُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِثْلَ هَذَا الطَّرِيقِ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ؛ بَلْ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ عَقْلًا وَعِلْمًا مِنْ آحَادِ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَةَ هَؤُلَاءِ الْمَنْطِقِيِّينَ؛ بَلْ يَعُدُّونَهُمْ مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يُحْسِنُونَ إلَّا الصِّنَاعَاتِ كَالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْعُلُومُ الْبُرْهَانِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْيَقِينِيَّةُ وَالْعُلُومُ الْإِلَهِيَّةُ فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ رِجَالِهَا. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَبَسَطُوا الْكَلَامَ عَلَيْهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ كُلِّ خَمْرٍ حَرَامًا هُوَ مِمَّا عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ. فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا شَكَّ بَعْضُهُمْ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ كَالنَّبِيذِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْعَسَلِ وَالْحُبُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ