للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ هُوَ إذَا كَانَ عِلْمًا فَهُوَ مِمَّا يُعْرَفُ بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ لَا يَقِفُ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ الشُّمُولِيِّ أَصْلًا بَلْ مَا يَدَّعُونَ ثُبُوتَهُ بِهَذَا الْقِيَاسِ تُعْلَمُ أَفْرَادُهُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِدُونِ هَذَا. الْقِيَاسُ وَذَلِكَ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ. وَيَكُونُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْبُرْهَانِيَّ اسْتِدْلَالًا عَلَى الْأَجْلَى بِالْأَخْفَى. وَهُمْ يَعِيبُونَ فِي صِنَاعَةِ الْحَدِّ أَنْ يُعْرَفَ الْجَلِيُّ بِالْخَفِيِّ وَهَذَا فِي صِنَاعَةِ الْبُرْهَانِ أَشَدُّ عَيْبًا فَإِنَّ الْبُرْهَانَ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا بَيَانُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَتَعْرِيفُهُ وَكَشْفُهُ وَإِيضَاحُهُ فَإِذَا كَانَ هُوَ أَوْضَحَ وَأَظْهَرَ كَانَ بَيَانًا لِلْجَلِيِّ بِالْخَفِيِّ.

قَالَ: ثُمَّ إنَّ الْفَلَاسِفَةَ أَصْحَابَ هَذَا الْمَنْطِقِ الْبُرْهَانِيِّ الَّذِي وَضَعَهُ أَرِسْطُو وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الطَّبِيعِيِّ وَالْإِلَهِيِّ لَيْسُوا أُمَّةً وَاحِدَةً بَلْ أَصْنَافٌ مُتَفَرِّقُونَ وَبَيْنَهُمْ مِنْ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ كُلَّمَا بَعُدُوا عَنْ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ كَانَ أَعْظَمَ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ أَضَلَّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أمامة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} } إذْ لَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَّا كِتَابٌ مُنَزَّلٌ وَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ