للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقِيَاسُ الشُّمُولِيُّ - وَهُوَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ - فَنَقُولُ قَدْ عُلِمَ وَسَلَّمُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ بَدِيهِيًّا؛ فَإِنَّ النَّتِيجَةَ إذَا افْتَقَرَتْ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ تُعْلَمَانِ بِدُونِ مُقَدِّمَتَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلَانِ وَإِذَا فُرِضَ مُقَدِّمَتَانِ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِمَا وَاحِدٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْقِيَاسِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَكُلَّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ. فَالْعِلْمُ بِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ. فالْمُقَدِّمَتانِ إنْ كَانَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِمَا وَاحِدًا وَقَدْ عُلِمَتَا فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِمَا. وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِمَا مُخْتَلِفًا فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ إحْدَاهُمَا احْتَاجَ إلَى بَيَانِهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ الْأُخْرَى الَّتِي عَلِمَهَا. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كُلِّ مَا يُقَدِّرُهُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْطِقَهُمْ يُعْطِي تَضْيِيعَ الزَّمَانِ وَكَثْرَةَ الْهَذَيَانِ وَإِتْعَابَ الْأَذْهَانِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: لَا رَيْبَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْكُبْرَى أَعَمُّ مِنْ الصُّغْرَى أَوْ مِثْلُهَا وَلَا تَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا وَالنَّتِيجَةُ أَخَصُّ مِنْ الْكُبْرَى أَوْ مُسَاوِيَةٌ لَهَا وَأَعَمُّ مِنْ الصُّغْرَى أَوْ مِثْلُهَا وَلَا تَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا. وَالْحِسُّ يُدْرِكُ الْمُعَيَّنَاتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهَا إلَى الْقَضَايَا الْعَامَّةِ. فَيَرَى هَذَا الْإِنْسَانَ وَهَذَا الْإِنْسَانَ وَكُلٌّ مِمَّا رَآهُ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ. فَنَقُولُ الْعِلْمُ بِالْقَضِيَّةِ الْعَامَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَوَسُّطِ قِيَاسٍ وَالْقِيَاسُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضِيَّةٍ عَامَّةٍ. فَلَزِمَ أَنْ لَا يُعْلَمَ الْعَامُّ إلَّا بِعَامِّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ أَوْ التَّسَلْسُلَ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ عَامَّةٍ