للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الْعَقْلِ مَعْرِفَةُ التَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ. فَإِذَا رَأَى الشَّيْئَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلِمَ أَنَّ هَذَا مِثْلُ هَذَا فَجَعَلَ حُكْمَهُمَا وَاحِدًا كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ وَالْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَالتُّرَابَ وَالْهَوَاءَ وَالْهَوَاءَ ثُمَّ حَكَمَ بِالْحُكْمِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. وَإِذَا حَكَمَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ وَمِثْلِهِ بِالنَّظِيرِ وَذَكَرَ الْمُشْتَرَكَ كَانَ أَحْسَنَ فِي الْبَيَانِ فَهَذَا قِيَاسُ الطَّرْدِ. وَإِذَا رَأَى الْمُخْتَلِفَيْنِ كَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا قِيَاسُ الْعَكْسِ. وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ فِي كِتَابِهِ يَتَنَاوَلُ قِيَاسَ الطَّرْدِ وَقِيَاسَ الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَهْلَكَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ بِتَكْذِيبِهِمْ كَانَ مِنْ الِاعْتِبَارِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلُوا أَصَابَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَيَتَّقِي تَكْذِيبَ الرُّسُلِ حَذَرًا مِنْ الْعُقُوبَةِ وَهَذَا قِيَاسُ الطَّرْدِ. وَيُعْلَمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُكَذِّبْ الرُّسُلَ لَا يُصِيبُهُ ذَلِكَ وَهَذَا قِيَاسُ الْعَكْسِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالْمُعَذَّبِينَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْفَرْعِ عَكْسُ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا نَظِيرُهُ. وَالِاعْتِبَارُ يَكُونُ بِهَذَا وَبِهَذَا. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وَقَالَ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} إلَى قَوْلِهِ {إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} وَقَالَ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} . " وَالْمِيزَانَ " فَسَّرَهُ السَّلَفُ بِالْعَدْلِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا يُوزَنُ بِهِ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ. وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْزَلَ ذَلِكَ كَمَا أَنْزَلَ الْكِتَابَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ. فَمَا يُعْرَفُ