للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسِ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ أَكْثَرُ فَإِنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يَنْقُلُهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ فَيَكْثُرُ السَّامِعُونَ لَهُ وَيَشْتَرِكُونَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ أَحَسَّهُ فَإِذَا قَالَ: رَأَيْت أَوْ سَمِعْت أَوْ ذُقْت أَوْ لَمَسْت أَوْ شَمَمْت فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذَا بُرْهَانًا عَلَى غَيْرِهِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِي تِلْكَ الْحِسِّيَّاتِ عَدَدٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحَسَّهَا وَلَا يُمْكِنُ عِلْمُهَا لِمَنْ لَمْ يُحِسَّهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْخَبَرِ. وَعَامَّةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ بِأَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ هِيَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَادَةِ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ " الْحَدْسِيَّاتِ " وَعَامَّةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْعُلُومِ الْفَلَكِيَّةِ كَعِلْمِ الْهَيْئَةِ فَهُوَ مِنْ قِسْمِ الْمُجَرَّبَاتِ وَهَذِهِ لَا يَقُومُ فِيهَا بُرْهَانٌ فَإِنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأَجْسَامِ الطَّبِيعِيَّةِ جُرِّبَتْ وَكَوْنَ الْحَرَكَاتِ جُرِّبَتْ لَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا بِالنَّقْلِ. وَالتَّوَاتُرُ فِي هَذَا قَلِيلٌ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تُنْقَلَ التَّجْرِبَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْحِسَابِ. وَغَايَةُ مَا يُوجَدُ. أَنْ يَقُولَ بَطْلَيْمُوسُ: هَذَا مِمَّا رَصَدَهُ فُلَانٌ وَأَنْ يَقُولَ جالينوس: هَذَا مِمَّا جَرَّبْته أَوْ ذَكَرَ لِي فُلَانٌ أَنَّهُ جَرَّبَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ جَرَّبَهُ أَيْضًا فَذَاكَ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَمْ يُجَرِّبُوا جَمِيعَ مَا جَرَّبُوهُ وَلَا عَلِمُوا بِالْأَرْصَادِ مَا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ