للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ عِلْمَ الرَّبِّ كَذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا سِوَى مَحْضِ قِيَاسِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَقِيَاسِ الرَّبِّ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ. فَهَذَا مَوْضِعٌ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَيَقَّنَهُ وَيَعْلَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَغَيْرَهُمْ إنَّمَا ضَلُّوا غَالِبًا مِنْ جِهَةِ مَا نَفَوْهُ وَكَذَّبُوا بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَا أَثْبَتُوهُ وَعَلِمُوهُ وَلِهَذَا كَانَ الْمَنْطِقُ مَظِنَّةَ الزَّنْدَقَةِ لِمَنْ لَمْ يَقْوَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ إلَّا بِهَذِهِ الْمَوَادِّ الْمُعَيَّنَةِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ عِنْدَهُ فِي غَالِبِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فَيَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُ بِهِ أَوْ يُعْرِضُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ فَيَكُونُ عَدَمُ إيمَانِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ اعْتِقَادِهِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا عِلْمَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْمَوَادِّ الْمُعَيَّنَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ كَوْنِهَا تُفِيدُهُ وَبَيْنَ كَوْنِهَا تُفِيدُهُ وَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى عِلْمٍ كُلِّيٍّ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُقَدِّمَةٍ كُلِّيَّةٍ إيجَابِيَّةٍ وَالْكُلِّيُّ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْكُلِّيُّ. فَجَمِيعُ الْحَقَائِقِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقِيَاسُ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ - إنْ عُلِمَ - صِفَةٌ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَلَا يُعْلَمُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّ الرُّبُوبِيَّةِ أَلْبَتَّةَ وَلَا شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّ مَلَكٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا وَلِيٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بَلْ وَلَا مَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ الْعُلْوِيَّةِ وَلَا السُّفْلِيَّةِ؛ فَإِذًا الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا أَوْ حَاصِلًا